الجمعة، 27 يناير 2012

قيامة المسيح رجاء الإنسانية
                                                     بقلم عمانوئيل يونان الريكاني
مقدمة :
تعتبر قيامة المسيح نقطة مضيئة في حياة البشر وتاريخهم ،فهي ثمرة الحب الإلهي ،واستجابة لنداء القلب البشري المتعطش إلى الحياة ،ومقياس لتحقيق إنسانية الإنسان بأعلى مستوياتها .ولإدراك عمق وأبعاد هذا السر العظيم ،ينبغي أولا الوقوف على حقيقة الموت الذي كان وما يزال مبعث خوف وفزع للجميع ،مع رغبة الإنسان القوية لتحدي هذا المصير ،وأمنيته في أن يحيا للأبد.
قلق الموت
منذ أن وجد الإنسان على هذا الكوكب ،كان الفناء متأصلا في طبيعته .فالموت هو الخاتمة التي تطوى به صفحة حياته ،وهو الحد الأخير الذي يقف عنده وجوده الأرضي .فلا يمكن الهرب من هذا الواقع المرير ،ولا يمكن التملص من هذه الحقيقة المؤلمة .إن هذا المصير المأساوي ترك آلاما حادة وجراحا بليغة في النفس البشرية.لقد سيطر القلق والخوف على الإنسان ،إذ انطفأت شعلة الحياة لدى الكثيرين ،وخمدت جذوة الوجود لدى الآخرين .وأمام هذا الواقع الأليم بدا اليأس يدب في تفكير الإنسان وسلوكه ،واخذ اللامعنى واللامعقول يتغلغل إلى قيمه ومبادئه .وطفح لديه كيل التساؤلات :ماالغرض من العيش والكد واللعب ،أذا كان كل شيء يؤول إلى الزوال والعدم ؟وما لفائدة من العمل والحب والصداقة أذا كانت حصتنا من هذه الدنيا حفنة من التراب ؟لقد أصبح الإنسان أسير الشعور بتفاهة الحياة ،وسقط فريسة الإحساس بعدم جدوى الوجود .
وقد عبر كاتب سفر الجامعة عن هذه الخبرة الإنسانية وقال :"كل شيء باطل وقبض الريح "1/14.لكن الإنسان لم يستسلم إلى هذا المصير المحتوم ،فقام بطرد الموت من دائرة تفكيره ،وإبعاده من ساحة اهتمامه لكي يتنفس هواء الراحة والطمأنينة ،ظنا منه إن التجاهل وعدم الاكتراث قد يؤديان إلى الغرض المنشود .لكن هذه الطريقة ،التي يتشبث بها ،ليست إلا مسكنات ومهدئات لا تستطيع اقتلاع المرض من جذوره .وحتى أذا تناسينا الموت ،فالموت لا ينسانا بل يتسلل ألينا ويخاطب ذاكرتنا ويخترق دفاعاتنا عند فقدان شخص عزيز علينا ،أو من خلال حياة الوحدة والعزلة التي هي شكل أخر للموت ،ليظهر القلق مرة أخرى على سطح الحياة ،ويعكر صفائها وهدوءها ، ويثلم قوتها وحيويتها ،إن عدم النظر إلى الشمس لا يعني أنها غير موجودة ،فعدم مواجهة الموت ليس ألا حيلة دفاعية لا تجدي نفعا ،إذ لا تستطيع أن تمنح الإنسان ألا سعادة سطحية ،وراحة مزيفة ،فالمشكلة تبقى قائمة لان بصمة الخوف من الموت مطبوعة على جبين البشرية ،وهيهات أن تزول .
الرغبة في الخلود
إن الرعب من الموت والتلاشي يعكس الرغبة العميقة لدى الإنسان في التمسك بأهداب الحياة ،والتعلق بإطراف الوجود ،فهو يأبى أن يفنى في خضم هذا الكون ،ويرفض أن يذوب في بطن الطبيعة ،وليس كلكامش إلا رمزا لهذه الإنسانية المعذبة والمتمردة على هذا المصير ،والتي تبحث عن سر البقاء الذي هو مركز ثقل اشتياقها وأمنياتها .لقد استخدم الإنسان أساليب كثيرة في سبيل الخلود .فالإعمال الفنية والأدبية ليست سوى طريقة أخرى للبقاء من خلال الآخرين .وعقيدة التناسخ ليست إلا رغبة دفينة في أعماقه للاستمرار في الوجود .إن هذا الخلود الوهمي لا يروي ظمأ الإنسان إلى الحياة ،ولا يشفي غليله في التعطش إلى البقاء .مالعمل إذن ؟أليس ثمة بارقة أمل تنقذه من دوامة الصراع بين الرضوخ للموت وبين الشوق إلى الخلود ؟
المحبة أقوى من الموت
لا يوجد إنسان لا يريد أن يحيا للأبد ،وليس من لا يحلم بالخلود ،فالأبدية مطبوعة في أعماقنا ،والخلود يسري في أمنياتنا كما تسري الدماء في عروقنا .كلنا نريد لأحبائنا الحياة الدائمة لأننا نشعر بان حبنا ليس له نهاية ،ولان من طبيعة الحب الدوام والاستمرارية .إن هذا الحس الإنساني العميق يعبر عنه بشكل بليغ غبرييل مارسيل الوجودي المسيحي :"عندما أقول إنني احبك يعني انك لن تموت للأبد "لان الله محبة أبدية ،ونحن نحمل في ذواتنا قبسا من هذا الحب ،وشعاعا من هذه الأبدية .ولو كان غير ذلك لكنا أتعس المخلوقات وأشقى الكائنات ،فلا قيمة للحياة أن كانت تنتهي عند الموت ،ولا معنى للحب إن كان حده اللاشيء.إن الله ـ بدافع محبته اللامتناهية للبشر ـ تجسد في يسوع المسيح ،وصار أنسانا مثلنا ،ودخل تاريخنا (أصبح الله أنسانا ليجعل الإنسان إلها )،ليشاركنا حياتنا ويقاسمنا همومنا وآلامنا ويختبر خوفنا وقلقنا أمام الموت ،وليزيل هذا الحمل الثقيل عن كاهلنا ،إذ يقف عائقا أمام تحقيق هويتنا الإنسانية ،ليكون لنا أروع مثال وأسمى نموذج بالقول والفعل في البذل والتضحية بذاته حتى الموت على الصليب ،ليبعث حيا والى الأبد ليقول لنا إن الحب والحياة ليستا سرابا أو وهما ،بل هما مقياس الوجود الحقيقي والكمال الإنساني وان الكلمة الأخيرة للحب وليست للموت .وفي قيامة المسيح التقت محبة الله الأزلية للإنسان ،وتحقق حلم البشرية في الحياة ،وبه بدأت الأزمنة الأخيرة والملكوت .فنحن منذ الآن نعيش في هذه القيامة ، وهي تتحقق فينا كل يوم ، إلى إن تكتمل في نهاية التاريخ وآخر الأزمنة .:"إن الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضا "2قو14/4 لم يعد للموت سلطان على الذين امنوا بالمسيح :"إذا متنا مع المسيح نؤمن إننا سنحيا معه "رومية 6/8 .لان القيامة فتحت نافذة جديدة في حياتنا ،وخلقت آفاقا بعيدة في إنسانيتنا لنطل منها على الوجود الحي والحياة الحقيقية التي تبيد الموت فينا .،لتغرس في وجداننا بذور الإيمان والرجاء والمحبة :الركائز الأساسية لبناء الذات ونضوج الشخصية ،وقاعدة لانطلاق الإنسان والتاريخ والكون إلى ملئها واكتمالها .هذه هي البشرى السارة التي غيرت مجرى التاريخ ،وحولت مسار الحياة الإنسانية ،في المسيح لا يمكن إن نهاب الموت ،بل أن نتقبله بفرح ،أصبح له معنى جديدا ،ولم يعد ذلك الوحش البغيض الذي يخيف البشر ، ويقلق راحتهم (الحياة لي هي المسيح والموت ربح )فيليبي1/21 وهكذا فالموت ليس نهاية الحياة ،وإنما بداية الحياة الحقيقية التي نسير بها مع المسيح نحو الأب لنحيا بحياته للأبد ،بعد أن يكون قد أزيل آخر أعداء الإنسان "أين غلبتك ياموت ،وأين شوكتك  أيها الموت ؟"1قور 15/55
Emmanuell_y_alrikani_2009@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق