الاثنين، 22 أبريل 2013

الجنس تحت مجهر المسيحية


الجنس تحت مجهر المسيحية     بقلم عمانوئيل يونان الريكاني

يعد الجنس في حياة الإنسان بعدا حيويا يتدفق في عروق الكائن البشري فهو بطاقة الدخول إلى مسرح الحياة وتأشيرة للولوج إلى دائرة الوجود.فسحر جاذبية الجنس طاقة جميلة وخلاقة وقوة دافعة ومحركة تزيد الإحساس بقيمة الحياة وتشيع في النفس الراحة والطما نينة وتهيب بالروح للانجذاب والتسامي والتعالي.نعني بتلك العلاقة العاطفية التي تنشا بين الرجل والمرأة والتي تستقي اكتمالها وامتلاءها من بحر المحبة المسيحية الغيرية القائمة على التبادل والمشاركة.سنغض النظر عن أشكال وأنماط الحب الأخرى لان الحب كالأواني المستطرقة وان اختلفت حجما وشكلا لكنها تشترك في ماهية واحدة .سنسلط الضوء على ماهية الجنس من خلال رؤية إنسانية ومسيحية عميقة بعد استعراض تمهيدي لرأيين مختلفين وموقفين متباينين يضمهما قاموس البشرية وتبيان قصورهما في الإحاطة التامة والاستيعاب الكامل لأبعاد هذه العاطفة الإنسانية العميقة.لن نتطرق هنا إلى الفعاليات الأخرى العاطفية والنفسية والبيولوجية التي يستطيع أن يجدها القارئ الكريم في كتب أخرى.

الموقف الأول : الحب الأفلاطوني

إن هذه النظرة ترى أن الحب الخالص هو الحب اللاجسدي والخالي من الرغبات الجنسية والشهوات وترى أن الجنس شيء نجس يعكر صفاء النفس ويعيق انطلاقة الروح تعود هذه النظرة إلى فهم منحرف بشان الفلسفة الأفلاطونية قسم الإنسان إلى عنصرين متناقضين : النفس والجسد والى عالمين متضادين: الروح والمادة فهما في صراع مستمر ونزاع دائم بين تطلعات الروح ومتطلبات الجسد.ويرى هذا المفهوم أن الطهارة والحقيقة يكمنان وراء عالم الأشياء المحسوس عالم المثل الروحي وهو ينظر إلى الجسد بعين الاحتقار والازدراء لأنه يحط من قيمة الإنسان إلى مستوى البهيمة. وبما أن الجسد هو القاعدة الفعلية للعمل الجنسي لذلك عد الجنس دنسا يجب نبذه والتحرر منه لتحقيق مثالية الحب الحقيقي.إن هذه الأفكار تسربت أحيانا إلى المجتمع المسيحي وتأثر بها الناس في عصور مختلفة ومن ضمنهم بعض رجال الكنيسة فاعتقدوا بضرورة الهرب من العالم والاختلاء في الجبال والبراري والمغاور لتقديم العبادة والتقرب إلى الله بعيدا عن العالم الذي هو مصدر الشر والرذيلة لكن هذه ليست نظرة مسيحية ولم تكن دافع قيام الحياة الرهبانية والنسكية ولا حتى هي من تعليم الكنيسة الأساسي لأنهن شجبته واستنكرته على الدوام.فالكتاب المقدس صريح في هذا الصدد ويقول رأى الله جميع ماصنعه فإذا هو حسن جدا /تك1/31 لا بل إن سر التجسد هو الدليل القاطع والبرهان الساطع على قيمة الجسد وقدسيته في نظر الله.فالنجاسة ليست في الأشياء بل في طريقة التعامل وفي الفعل البشري المنحرف نفسه.فسوء استخدام الإنسان لحريته هو الحد الفاصل بين الطاهر والنجس يقول القديس بولس مجدوا الله في أجسادكم /1قور لان الجسد هو الموشور الذي يحلل ألوان الروح إلى نمو وسمو وعلو.فالإنسان كائن مركب لكنه واحد غير قابل للتجزئة ولا يمكن تمزيقه إلى وحدات صغيرة متناحرة ولا تقسيمه إلى خطوط طول وعرض متعاكسة وإلا شوهنا صورته وطمسنا هويته. لذلك نرفض هذه النظرة إلى الإنسان لأنها ناقصة ومبتورة.

الموقف الثاني :الانحدار الاباحي : هذا النوع من الحب هو عكس الأول تماما فانه ينصهر في حرارة الجسد ويذوب تحت نيران الجنس فبعد أن يستحوذ عليه الجنس يمحو أثار الحب من الوجود ويمسح معالمه من الحياة ويصبح مجرد طاقة غريزية بيولوجية أو مجرد فعل جسدي لا ينشد في الأخر سوى لذة جسمية ومتعة حسية.خلال القرن العشرين انتشرت  تيارات نادت بالإباحية والتحرر الجنسي وإطلاق العنان للرغبات المكبوتة بلا أي رادع أو وازع أخلاقي كاد على أثرها أن يفقد الجنس قدسيته فتحول إلى مجرد تقنية جنسية وسلعة استهلاكية يومية بحاجة إلى صرف وتوزيع مقابل الحصول على اللذة والمتعة.لكن سرعان ماتبين أن هذا المفهوم هو إطار بلا محتوى وشكل بلا مضمون فهو ردود أفعال غريزية خالية من المعنى والقيمة وفارغة من أي دلالة إنسانية وأخلاقية وروحية إذ لا يرى في الأخر غير أداة للاستعمال ومصدر للمتعة ولكن على ضوء الكتاب المقدس هذا انتهاك صارخ لقدس أقداس الإنسان وتدنيس مروع لهيكله الطاهر الذي هو جسد الإنسان .إن في هذه المفاهيم جرثومة في كيان الإنسان وفيروس في جسد المجتمع والحضارة .فهي تلوث الإنسانية وتشجع على الانفلات والتسيب واللامسؤولية .فالحب الحقيقي كحرارة الشمس يذيب ثلوج الأنانية والنرجسية وهو عهد بين شخصين وإنسانين مبني على العطاء المتبادل والتضحية والاحترام والتقدير تجمعهما حياة مشتركة وهدف واحد :وهو السعادة والفرح بالمحبوب. أما الرغبة الجنسية فليست إسرافا وتبذيرا وتشتتا بل طاقة ثمينة أودعها الله فينا لتتنفس من خلالها الروح الإنسانية هواء النضوج الشخصي والكمال الذاتي .لذلك لا تصح هذه النظرة لأنها قاصرة وعاجزة عن التعبير عن كيان الإنسان العميق . اكتمال الشخصية الإنسانية :إن التفاعل العاطفي والانسجام بين الروح والجسد هما الترجمة الواقعية لعمق وغنى الشخصية وتجسيد حي لجوهر وحقيقة الإنسان .فان الله محبة ولهيب الحب من لهيب الله .فكل حب بشري هو شرارة من نار الحب الإلهي .وكل حب أنساني لا يرتوي من نبع الله الفياض هو فقير ومشوه .وكل تعريف للحب يتجاهل الإنسان هو مبتور وناقص .فالبعدان :العمودي والأفقي للعلاقة هما النواة الحية لكل حب الهي وأنساني أصيل .والعلاقة الجسدية كامنة في صميم النسيج البشري ومتأصلة في أعماق طبيعة الإنسان .وهي تكتسب معناها العميق في العبور من الحب الروحي إلى الجنس وهي يدورها تمنحه خصبا وثراء وسموا .هذه العلاقة هي حاجة طبيعية وإنسانية مشروعة أرادها الله للإنسان .لذلك خلقهما ذكرا وأنثى وقال لهما " انموا وأكثروا واملئوا الأرض"وهذا يفترض من الإنسان حضورا كاملا  قلبا وقالبا ذاتا وشخصا وذلك استجابة لنداء الحياة على جميع مستويات القلب والروح والجسد .أن كلمات القديس بولس في "1 قور6/15 ـ17 " تكشف نظرة العهد الجديد إلى الجنس والانحرافات الإباحية والبغاء الديني يومذاك وكل أشكال الدعارة الأخرى في المجتمع الروماني وفي قورنثية بخاصة إذ عكست معايير حضارية واطئة ومقاييس اجتماعية منحطة كانت سائدة لديهم قوبلت بشجب شديد من لدن مار بولس لأنها ممارسات بعيدة عن روح المسيحية وتعارض خطة الله في خلقه.إذ تمتهن كرامة الجسد وتسيء إلى مفهوم الوظائف الجنسية وتفرغها من محتواها الإنساني .

 

 

Emmanuell_y_alrikani_2009@yahoo.com                                                                                                                             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق