الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

وجه الله الحقيقي في ميلاد المسيح






      وجه الله الحقيقي في ميلاد المسيح

بقلم

                                                                   عمانوئيل يونان الريكاني                                                      "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وللناس المسرة "هذه هي البشرى السارة والنشيد الخالد الذي رتلته جوقة من الملائكة بمناسبة ميلاد مخلص العالم في مغارة بيت لحم في فلسطين بين أمه مريم وأبيه يوسف وجمع من الرعاة كانوا هناك ليلا ساهرين يحرسون قطعانهم وذلك قبل أكثر من عشرين قرنا من الزمان.

يحتفل مسيحيو العالم جميعا بهذا الحدث الجليل والذكرى العطرة التي غيرت مجرى التاريخ البشري وحولت مسار الحياة الإنسانية بكل ماامطرت به علينا من معان سامية ودلالات عميقة وقيم عظيمة .

السؤال الذي كان ومازال عالقا في أذهان كثير من الناس وقد نكون نحن منهم ،لماذا ياترى صانع الكون يولد في مغارة حقيرة وملك الملوك تاجه من تواضع وليس من ذهب وباري الخلائق يخدم ولا يخدم ؟

إن مواقف وأحكام الناس تأثرت بشكل أو بآخر بصورة الله المشوهة المطبوعة بأذهانهم نتيجة الأفكار السائدة والخبرة الحياتية اليومية من خلال معرفتهم بالملوك والقياصرة والأباطرة الذين رأوا فيهم رمز الكبرياء والغرور والغطرسة وعباد التاج والصولجان والثوب الملكي والعرش والذي انتفخ شعورهم بالعظمة والتفوق ووصل لدى البعض إلى تاليه الذات .فلسان حال الناس يقول لو كان هؤلاء الملوك الفانين لديهم هذا الإحساس يستعبدون ويذلون ويحتقرون رعيتهم ،فكيف يكون الله الخالد الذي له الملك جميعا ؟( أي إن الله نسخة من الملوك حسب اعتقادهم ).

لا شك إن زيارة الله التاريخية قلبت المفاهيم وبدلت الموازين فهو خارق العادة ويفوق أدراك العقل البشري لكنه ليس مستحيلا فلا يوجد لديه شيء اسمه مستحيل فمنطقه غير منطقنا وطرقه غير طرقنا .إن كثير من الناس أصيبوا بصدمة نستطيع إن نطلق عليها "صدمة ميلاد المسيح "لقصور عقولهم عن استيعاب حلول الله بيننا بالجسد وكشف ذاته التي هي المحبة وبقوا سجناء أفكارهم الضيقة وأسرى انطباعاتهم الخاطئة ولم يتحرروا ويخرجوا إلى عالم النور والسلام والعدل الحقيقي .على غرار صدمة الميلاد ..في لغة التحليل النفسي التي يصاب بها الطفل عند الولادة نتيجة تركه رحم أمه الدافئ والخروج إلى عالم البشر ويحتج بالصراخ والبكاء حيث يابئ ويقاوم الاستمرار الطبيعي لمسيرة الحياة الإنسانية .إن يسوع هو نقطة التلاقي بين الإلهي والإنساني المحدود واللامحدود والأبدي والزمني لقد أزاح الجدار الفاصل بين الله والإنسان ومزق الحجاب الحاجز بين الخالق والمخلوق التي وضعته الأساطير القديمة والمعتقدات الوثنية .ورفع القناع عن وجه الله الحقيقي الذي البسه إياه تراكم تصورات الإنسان الخاطئة التي عكست صراعاته الداخلية وعقده النفسية .لقد كان يسوع المسيح الضوء الكاشف لحقيقة الله الغائبة عن البشر والموشور الذي يعكس ألوان الذات الإلهية من رأفة وحنان ورحمة من خلال مسيرة حياته الأرضية التي تضامن فيها معهم وشفا عاهاتهم الجسدية وبلسم أسقامهم الروحية .فالله علاقة وجوهر أي علاقة هي الحب ،ولا وجود لسيد وعبد ورئيس ومرؤوس في هذه العلاقة فهو اقرب إلى الإنسان من حبل الوريد وليس غائبا وبعيدا قابعا في عليائه لا يحس ولا يبالي بالبشر.وان حبه المجاني الذي أفاضه علينا بدون استحقاق منا إن دل على شيء فانه يدل على ما للإنسان من قيمة مطلقة لديه " أما تعلمون إنكم هيكل الله وان روح الله حال فيكم فمن هدم هيكل الله هدمه الله لان هيكل الله مقدس وهذا الهيكل هو انتم". لقد انتشلنا من وحل الشعور بالضعة والعبودية والتفاهة وحررنا من المخاوف والقلق الوجودي ورفعنا إلى سمو حياته الإلهية بالنعمة والتبني وفجر فينا طاقاتنا الكامنة وأيقظ الخلايا النائمة للانطلاق نحو المثال الروحي والكمال الإنساني .إن الدروس والعبر التي نستمدها من ميلاد المسيح هي إن الله أب ونحن أبنائه وهو يحبنا بغض النظر عن اللون والجنس والدين والعنصر ويحثنا ويدعونا إلى فعل الخير والصلاح وحب الإنسانية جمعاء . وفي مسك الختام ندعو الله عز وجل نحن مسيحيو العراق مع إخواننا المسلمين وباقي الأديان والطوائف بقلوب عامرة بالأيمان وأفئدة مليئة بالثقة والحب أن يزيل هذه الغمة السوداء ويمطر علينا بردا وسلاما .







Emmanuell_y_alrikani_2009@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق