الجمعة، 16 ديسمبر 2011

هوية الهويات

              هوية الهويات                         بقلم عمانوئيل يونان الريكاني
هلم معي في جولة مكوكية سريعة نسلط فيها الضوء على هوية الإنسان الحقيقية بلغة بسيطة ومفهومة تكون في متناول الجميع بعيدا عن تنظيرات الفلسفة وتعقيداتها وبدون الغوص في تشعباتها ومتاهاتها .الإنسانية هي هذه الهوية التي أسئنا فهمها دوما وتجاهلناها كثيرا من اجل هويات أخرى اقل مرتبة وأهمية صنعناها لأنفسنا كانت بمثابة قشرة من اللب وكالوثني الذي يعبد الإله الذي صنعه بيده مثل الأنا العشائري والانا القومي والانا الديني...الخ قد تكون أعطت له بعض الحماية من الناحية النفسية لكن سلبت منه البعد الشخصي والإنساني خاصة عندما تكون بيدق على رقعة العاطفة الهائجة ولم تفهم بشكل علمي وعقلاني .
من نافل القول الإنسان كائن اجتماعي كما وصفه أرسطو تفترضها طبيعته البيولوجية والإنسانية وعالمه شبيه بعالم النمل والنحل من حيث التنظيم والتعاون والصراع من اجل البقاء ،إلا انه يختلف عنها اختلافا جوهريا بان دافعه إلى السلوك هو العقل لا الغريزة وحدها كما عند الحيوان والذي حبا هبه الله وميزه عن باقي المخلوقات الأقل درجة منه في سلم التطور .ويستطيع أن يبدع أفكار جديدة وأشكال جديدة من العوالم حسب ماتقتضيه حاجته ،ومن تضافر العوالم المادية والروحية فيه .ليس هو آلة تسير وفق نظام معين حسب الفكرة المقررة فيه ولا هو جهاز ميكانيكي يعمل بالضغط على الزر يكرر اليوم ماعمله الأمس .انه محكوم عليه بالحرية في محيط الحتميات التي يدور في فلكها .ولا هو تام التكوين أعطي مرة واحدة وللأبد لكنه في طور التكوين يصنع نفسه بنفسه من خلال جدلية الإنسان الواقعي والمثالي .
إن هويته ليست فكرة جامدة تم تحديدها في الماضي نهائيا ولا هي هابطة عليه كالبارشوت من عالم آخر ولا يستطيع أي انتماء أن يستنفذها .وقد قال احدهم "الهوية الحقيقية للإنسان هي من لا هوية له "أي إن المستقبل المجهول بما يحمله من المفاجآت واللامتوقع هو الذي يضع عليها اللمسات الأخيرة لأنها في قلب الواقع وفي صيرورة تتشكل من خلال حركة التاريخ مثل كرة الثلج التي يتغير حجمها وشكلها كلما تدحرجت .
وقد عاش الإنسان منذ البدء على شكل جماعات وبعد ذلك تكونت العائلة والعشيرة والقبيلة والأمة حيث كانت رابطة الدم والدين هي الغالبة .هذه الوحدات الاجتماعية منحته وجوده المادي والمعنوي وصاغت له هوية كانت كبصمة Danتميزه عن غيره من الجماعات مقابل الانتماء أليها والولاء لها في كافة الأحوال .كان من المفروض أن تكون جسم شفاف يمر من خلالها شعاع الإنسانية إلا أنها أصبحت كالكتل الكونكريتية يصعب اختراقها وإزالتها ، وعلى مر الزمان نحتت تكوينه النفسي بأناملها وصارت له طبيعة أخرى إلى جانب طبيعته .لقد كانت كالغيم التي تحجب نور الشمس فهي تقف حجر عثرة أمام النمو لروحي والرقي الإنساني .وان التعصب الأعمى لها حولتها إلى أصنام كان أولى ضحاياها هم الناس أنفسهم بما أوجدت من كراهية وبغضاء وفرقة بين الشعوب والمجتمعات       والأمم ومزيد من التخلف والجهل والانحطاط .
انظر إلى الفوضى التي يتخبط بها عالمنا من حروب ونزاعات وانقسامات غطت الكرة الأرضية جلها بسبب عنصرية اللون والعرق والدين والقومية والطائفية ..الخ هذه الدراكولات التي مصت ولا زالت تمص دماء البشرية .التاريخ والواقع يشهدان بان هذه الأسباب كانت جدار برلين يفصل بين الناس ويمنع أي لقاء حقيقي بينهم .وفي كثير من الدول المتقدمة التي رفعت لواء الحضارة أصبحت هذه الهويات في خبر كان أو تفككت وانصهرت في هويات أكثر إنسانية وحضارية .أو وضعها في غربال العلم وتم تصفيتها من الشوائب.لقد أصبحت التكتلات العالمية ألان تقوم على أسس اقتصادية سياسية لا على أساس ديني عرقي قومي .
الإنسانية هي هوية الهويات التي تستحق كل تبجيل وتقديس لأنها روما المسيحيين وكعبة المسلمين وغانغا الهندوس ومعبد كل المؤمنين ونبض قلب جميع الملحدين أنها اله لمن ليس له اله ودين من لا دين له .فهي الهوية التي كان يبحث عنها ديوجين الفيلسوف الإغريقي في وضح النهار وفي شوارع أثينا وبيده فانوس وسط استغراب واندهاش سائليه من هذا المشهد .لأنها قبلة أنظار كل فلسفة ودين وفكر .أنها دعوة الأنبياء والفلاسفة فلا يوجد سبب من اجله يستحق أن يقتل أي إنسان لان الله هو واهب الحياة .وكما قتل الإله مردوخ الآلهة تيامات في أساطير بلاد الرافدين ومنها خلق الوجود هكذا يجب أن نقتل هذه الهويات الجرثومية ومن دماءها نخلق عالما جديدا تشع منه حضارة المحبة التي هي حضارة الله وهويته.وفي مسك الختام علمنا المسيح إن الهوية الحقيقية لا يمكن احتكارها من قبل أي دين أو قومية أو فلسفة بل هي مخالفة الأعراف التي تقف في طريق إنسانيتنا .ونعم الهوية

Emmanuell_y _alrikani_2009@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق